(مشكلات الكتابة للأطفال رؤية وتجارب) للدكتور هيثم يحيى الخواجة
(تصوير: DeeMac, Flicker)
إن متتبع أدب الأطفال في الوطن العربي يجد أن هذا الأدب لم يأخذ حقَّه من العناية والاهتمام مقارنة بالأدب الموجَّه للكبار، وكثيرون ينظرون إليه نظرة استخفاف على أنه ليس بالمستوى الكبير مقارنة بغيره من الآداب، كذلك نشاهد ما يطرح أمام المتلقي الصغير من قصص وشعر ومسرح لا يتناسب مع ذوقه ومزاجه.. من هنا لفتنا الكتاب الذي بين أيدينا للدكتور (هيثم يحيى الخواجة) بعنوان: (مشكلات الكتابة للأطفال رؤية وتجارب) لما له من أهمية في وقتنا الراهن، كما هو الحال بالنسبة لأي إصدار يتناول أدب الأطفال المكتوب باللغة العربية.
في المقدِّمة نقرأ الأسباب التي دعت المؤلِّف إلى تأليف الكتاب، إذ يبين أن الساحة الأدبية تعاني من فقر في مجال الكتابة للأطفال، ولأن هناك الكثير من الكتب الموجهة للمتلقي الصغير خالية من الحذر والتأني في تأليفها وبعيدة عن التأثير الفعَّال.
الكتاب مقسَّم إلى أربعة أبواب وفي النهاية هناك جزء مخصص للتوصيات.
يؤكد المؤلف في الباب الأول ضرورة التوجه في الكتابة للأطفال بطريقة مختلفة عن السابق من حيث الموضوعات المهمَّة والاعتماد على الصياغات الكلامية البارزة. فطفل اليوم قد امتلك وعيًا كبيرًا نتيجة المخترعات الحديثة التي يتعامل معها يوميًا. وهناك تأكيد على ضرورة الكتابة في مجال الخيال العلمي لكي يشعر الطفل أنه أمام أدب يلامس مخيلته وميوله، ويدعو الكاتب في هذا المجال إلى الاعتماد على التراث العربي وتوظيفه بطريقة تخدم الطفل وتلبي رغباته.
كما تطرَّق المؤلف إلى المعيقات الكثيرة التي تقف في وجه الكاتب في مجال أدب الطفل وأهمها: على صعيد دور النشر التي لا يمكن الوثوق بها، فقد حدث أن بعض دور النشر قد سرقت العديد من الأعمال الأدبية وأغفلت أسماء مؤلفيها، كذلك نجد في الأسواق العديد من كتب أدب الأطفال المطبوعة بشكل أنيق لكن مضمونها لا يخصُّ الأطفال إلا في المظهر.
أما على الصعيد التعليمي فهناك مشكلات كبيرة في المناهج الدراسية في العديد من الدول العربية وتدور هذه المشكلات حول عدم الاهتمام بانتقاء القصص أو المسرحيات أو القصائد التي تناسب مفهوم الطفل ومزاجه.
كذلك هناك عتب على الصحف والمجلات الصادرة في الوطن العربي التي لا تخصِّص صفحات للأطفال، وإن حدث وخصَّصت إحدى الصحف بابًا لهم فإنّ الانتقاء يكون رديئًا بسبب عدم استقطاب كتَّاب الأطفال مما يضطرهم إلى الحشو دون فائدة.
كذلك نوَّه الكاتب إلى سبب مهمٍّ، وهو أن هناك من يملك وجهة نظر تستخفُّ بالكتابة للأطفال على الرغم من أن الخوض في هذا المجال لا يستهان به.
(تصوير: Adrian C. Murray)
ويذكر الكاتب أيضًا أسبابًا أخرى تعيق حركة النشر في مجال أدب الأطفال، منها ما يتعلق بضعف الترجمات من اللغات الأخر، ومنها ما يتعلق بضعف المهارات اللغوية والقرائية عند بعض الأطفال.
كما عرَّج الكتاب على أهم الأدوات التي يمتلكها المبدع من معرفته الشاملة بالمعجم اللغوي الخاص بالمراحل العمرية بالأطفال، وأن يكون مطَّلعًا على التربويات وعلم نفس الأطفال.
ثم انتقل الكاتب إلى الباب الثاني الذي جعل عنوانه "الكتابة والقراءة وعصر التكنولوجيا"؛ وتحدث فيه عن أهمية التقدم العلمي، وتراجع مستوى المطالعة وأن التكنولوجيا قد أثرت تأثيرًا سلبيًا على الأطفال، ابتداء بالتلفاز وصولًا إلى الإنترنت.
يقول (ستيف بيدولف) في كتابه (سر السعادة): إن الأطفال عندما يقرؤون يتخيَّلون معاني الكلمات، وعندما يركبون السيارة ويلعبون في الساحة أو يذهبون إلى السيرك يشعرون بالحيوية والنشاط والتفاعل كأنهم يمضغون العالم بعقولهم. ص53
(تصوير: Adrian C. Murray)
ومن اللافت للنظر أن المؤلف يتطرق إلى أهمية الحكايات الشعبية وحكايات الحيوانات للأطفال قبل النوم وبشكل منتظم مستشهدًا ببعض الإحصائيات التي قام بها العلماء على الأطفال، مما يجعلنا نخلص إلى نتيجة فاعليَّة تلك الحكايات في صقل موهبة الطفل وخياله أيضًا. وسبب هذا هو قرب الوالدين من أطفالهم لما له من دور فعَّال في نمو شخصياتهم بشكل سليم.
ـ نعم هذا الكلام صحيح جدًا، فما زالت حتى الآن حكايات جدَّاتنا تحفر مسارها في مجال اللاشعور فتخرج للضوء عند أي موقف مشابه لها أو فكرة تلامس جمالها.
ـ ينتهي الباب بالحديث عن رحاب القصة الطفلية المتنوِّعة: القصة الدينية والاجتماعية والوطنية والقومية والتاريخية والإنسانية وقصة الخيال العلمي.. التي يشغف بها الطفل ويسعى إليها، فهي تعوِّده حسن الاستماع، وتمدُّه بالمعلومات والخبرات، وتشعره بالسعادة، وتجعله يهوى المطالعة..
ويختم المؤلِّف كلامه بالحديث عن بعض النماذج القصصيَّة الجميلة حقًا لبعض الكتَّاب السوريين منهم: محمد محي الدين مينو ودلال حاتم وعبد التواب يوسف وجمانة طه وحنان درويش.
وقد اهتمَّ الكاتب بقراءة تحليلية مفصَّلة لقصَّة (عصفورة الأمير) للدكتور علي القاسمي. مبيِّنا الجوانب السلبية والإيجابية فيها. ويطرح سؤالًا هامًا: عندما أقرأ عملًا أدبيًا للأطفال ماذا يقدِّم ملخَّص هذا العمل لهم؟
ثم يأتي الباب الثالث بعنوان "أبعاد وخصوصية شعر الأطفال" يبدأ المؤلِّف فيه بالتنويه إلى أهمية النشيد الذي يتناغم مع ذائقة الطفل مستشهدًا بأناشيد العديد من الشعراء: سليمان العيسى، ممدوح السكاف وأحمد سويلم وطه عبد الغني مصطفى وعبد المنعم مراد ومحمد وليد المصري.. مركزًاعلى أهم المؤثرات التي تجعل الشعر أكثر متعة منها مثلًا: انتقاء الموضوعات الفنية والاعتماد على اختيار الألفاظ ذات الدلالات واستخدام التعبيرات غير المباشرة..
ويتساءل المؤلِّف: (هل الجوانب المنهجيَّة المعتمدة من قبل المنظِّرين لتحليل المضمون وتقويم الشكل ومنه الإيقاع هو التوجه الحاسم لتوضيح الموقف من الجيد والرديء؟
إذا كان الجواب: نعم إلى حدٍّ كبيرفإنّ هذه الإجابة لا يمكن أن تغفل النسيج العام الذي يظلِّل العناصر التقويمية كلها، فيحقق الإعجاب والإثارة والإدهاش ..) ص119
يؤكد المؤلِّف على أهمية الإيقاع في النص الشعري الطفلي وعلى الشكل أيضًا فالطفل تشده القصيدة اللطيفة ذات الإيقاع الخفيف الذي يناسب ذوقه.
"أدب الأطفال في دولة الإمارات" هو عنوان الباب الرابع من الكتاب.
يقول الدكتور ناصر الدين الأسد في مقالته التي بعنوان: (نزعة قصصيَّة بعيدة الأنوار) التي نشرتها مجلة التربية الحديثة: (أدب الأطفال كالفيتامينات للفكر، يحتاج عقل الطفل وخياله منها إلى أنواع مختلفة كل نوع يغذِّي جانبًا من تفكيره وشعوره ويقوِّي نواحي الخيال فيه.) 143
ـ يقول المؤلِّف: على الرغم من أهمية أدب الأطفال باعتباره كالفيتامينات إلا أن هذا الأدب لا يزال يتلمَّس طريقه في دولة الإمارات المتحدة. فهي تسعى جاهدة إلى تطوير هذا الأدب بشتى السبل لإيمانها بأهمية ترسيخ القيم في تكوين شخصية الطفل، وهي تمتلك العديد من كتَّاب الأطفال ولكن هذا لا يكفي فهي في الأساس دولة فتيَّة يعود تاريخ إشراقها إلى زمن ليس ببعيد.
فمن أهم المجلات التي اشتغلت على أدب الأطفال هي مجلة (ماجد) وقد حقَّقت نجاحًا كبيرًا ولفتت نظر الدارسين إليها.
كما تساءل (الخواجة) عن أسباب توقُّف بعض المجلات أو تعثُّر بعضها في الظهور مثل مجلة (الزهور) ومجلة (صوت العصافير).
إن مجموعة (جزيرة الكنز) لإبراهيم الصبَّاغ هي أول مجموعة قصصية إماراتية للأطفال صدرت عام 1981 وإن قصة (الشيخ والقرية) لمحمد الحربي. هي أوَّل قصة طويلة للأطفال صدرت عن دار الجليل في (دمشق) عام 1985 كذلك هناك إصدارات جائزة الشيخة فاطمة بنت هزاع بن زايد آل نهيان لقصة الطفل العربي منذ عام 1977.
ويلخِّص المؤلِّف أهم الملامح التي امتاز بها هذا الأدب في الإمارات، فهو يستمد موضوعاته من الحياة الواقعية ما قبل مرحلة النفط وما بعده، وقد عكس العادات والتقاليد الاجتماعية السائدة هناك، كذلك لعبت الهيئات والمؤسسات والأندية دورًا مهمًّا في دعم موهبة الطفل الإماراتي، وتشجيع الكتَّاب الذين يكتبون في أدب الأطفال مثل: دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة وجمعية نهضة المرأة الظبيانية والمجلس الأعلى للأسرة وجوائز أنجال الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان لثقافة الطفل العربي وجائزة الشيخة لطيفة. بالإضافة إلى ورش العمل والمنتديات والملتقيات والبرلمانات والمسرحيات التي ساهمت في دفع مسيرة الأدب الطفلي بشكل ملحوظ. وقد أورد المؤلِّف نماذج عدة من القصص الإماراتية التي ظهرت في تلك المنطقة منها مثلًا: قصة الدروب (الشائكة) لشيخة عتيق وقصة (التوبة) لموزة خميس وقصة (من القائد) لعليا هويدن...
يختم المؤلف كتابه ببعض التوصيات أهمها:
ـ إيجاد صيغة لتمتين العلاقة بين الطفل ووالديه والسعي إلى تحبيب الطفل بمدرسته.
ـ على الطفل أن يتعرَّف على أهم كتَّاب الأطفال في بيئته على الأقل، وكيف يختار الكتاب الجيد.
ـ يجب على المناهج أن تبتعد عن كل ما هو مملّ وغير ضروري للطفل، وعلى المدارس أن تخصِّص يومًا في الأسبوع يتكلَّم كل من فيها اللغة العربية الفصيحة.
ـ نضيف إلى ما ذكره المؤلِّف أنه يجب على كل أسرة عربية أن تحاول قدر الإمكان تعويد أطفالها قبل الدخول إلى الروضة التكلُّم باللغة العربية الفصيحة ضمن البيت، هذا مما يسهِّل على الطفل الكثير من قواعد اللغة العربية التي يكون قد أتقنها بشكل عفوي وبكل سهولة نتيجة تعوّده على اللفظ السليم.
في الختام نقول: إن كتاب (مشكلات الكتابة للأطفال) جدير بالقراءة حقيقة لما فيه من أمور هامة تخصُّ الأطفال بشكل عام. إنه يفتح المجال للإطلاع على معوقات أدب الأطفال وإيجاد الحلول المناسبة لهم بطريقة سهلة غير مملَّة حقيقة. والكتاب فيه الكثير من التبويب الجميل والتنسيق في تقديم المعلومات بشكل غير ممل فلا حشو فيه ولا تكلُّف في الطرح.