الفصل الأول من عائلة بولد (الجزء الثاني)
كلمة تحذير قبل أن نبدأ: ربما من الأفضل إبقاء هذا الكتاب بعيدًا عن الكبار. فهم لن يفهموه، سيقولون إنّه "كومةٌ من الهُراء والسخافات" أو سيتساءلون "لماذا لا تقرؤون شيئًا أكثر منطقية؟"
حسنًا، الكبار ليسوا دائمًا على حق. (أنا نفسي كبير، ومن المفترض أني أعرف). هم يقرؤون جرائد مملة، وكُتُبًا سميكة مضجرة، لا يوجد فيها صور أو نُكاتَ، ولا يحدث فيها شيء لافتٌ للانتباه على الإطلاق.
الكثير يحدث في هذا الكتاب، حتى إني غير متأكد من أين يجب علي أن أبدأ. إنه كتاب غير اعتيادي. كما ستكتشفون الآن. لكن كونه غير اعتيادي لا يعني أنه سخيف أو كومة من الهراء. إنه قصة حقيقية. ولا يجب أن تخطئوا في ذلك. أنتم ستفهمون ذلك. لكن الكبار لن يفهموا.
ولو حدث أن شخصًا كبيرًا قرأ لكم الكتاب كأنها قصة ما قبل النوم، فعليه عندها أن يحتفظ بملاحظاته لنفسه.
هاكم إذًا، لقد أخرجت هذا الكلام من صدري. إذًا دعونا نبدأ؛
هل سمعتم في حياتكم عن عائلة بولد؟ أنا متأكد من أنكم ربما فعلتم. إنهم عائلة لطيفة، تقيم في منزل رقم 41 بشارع فيرفيلد في مدينة تيدينجتون. هم دائمًا يضحكون، دائمًا يقولون النكت. السيد بولد يعمل في مصنع مفرقعات عيد الميلاد، ويكتب النكات. السيدة بولد تصنع القبعات المزينة وتبيعها في السوق المحلي؛ وتوأماهما، بيتي وبوبي، يا لهما من طفلين لطيفين محبوبن!
يعيش معهم أيضًا العم توني وميراندا، اللذين تم إنقاذهما من حديقة السفاري. نعم هذا صحيح، حديقة سفاري، لقد سمعتموني بشكل صحيح. لأن عائلة بولد عائلة غير عادية تفعل أشياء غير عادية. كلنا نملك أسرارًا، لكن سرهم أكبر و أغزر شعرًا من غيرهم.
فكما ترون، خلف الأبواب المغلقة هم ليسوا عائلة كعائلتكم أو كعائلتي. هم ليسوا عائلة من البشر، أوه يا أعزائي، كلا. إنهم عائلة من الضباع التي تتظاهر بأنها من البشر. إنّها تفعل ذلك من قمة آذانها المكسوة بالفرو حتى أخمص مخالبها.
لا أحد يعرف ذلك، باستثنائنا نحن.
من المحتمل أنكم مصدومون. بالفعل، أنا أيضًا صُدمت حين سمعت عنهم أول مرة. لكنَّ الأمر، في الواقع، ليس صادمًا كما تعتقدون. فهناك الكثير من الحيوانات في الخارج تعيش حياتها متظاهرةً بأنها من البشر. كالزرافات التي تضع البضائع على الأرفف في البقالات، والخنازير التي تأكل الفشار بصوت مزعج طوال عرض الفيلم في السينما. وكلاب البولدوغ التي تعمل في حراسة النوادي الليلية. السيد ماكنمبتي حيوانٌ أيضًا. هو دبٌ أشيب. ورغم ما كان بينه وبين عائلة بولد من خلافات في الماضي، إلا أنه الآن صديقٌ حميم لهم. ويزورهم في معظم الأمسيات من أجل لعب الدومينوز وتناول قطعتي لحم.
باستثناء يوم الثلاثاء؛ إذ لا توجد لعبة دومينوز في هذه الليلة، فمساءات يوم الثلاثاء خاصة جدًا في منزل عائلة بولد الأنيق. مساءات يوم الثلاثاء هي مساءات التبرج. قد تعتقدون بأن هذا يعني أقنعة الوجه وصبغ الأظافر، لكنكم ستكونون مخطئين، في الحقيقة عائلة بولد والعم توني العجوز الأصم، وميراندا قردة القشة الأمريكية، يجلسون جميعهم في حلقة دائرية، يحكون ويفركون، ويعضون بعضهم بعضًا، ويتأكدون من إزالة كل الفرو الذي سقط وبقي عالقًا على أجسادهم، وأي أجزاءٍ من الطين أو الزغب قد تكون ما زالت عالقةً هناك، ناهيك عن ذكر البراغيث.
طبعًا عليهم التأكد من إسدال الستائر حتى لا يتلصص عليهم أحد. وعلى الرغم من أننا نحن البشر نحك ونخدش جلودنا أحيانًا، إلا أننا لا نُشاهَد ممددين على ظهورنا بينما تعض أمهاتنا بطوننا بأسنانٍ حادة، أو يُعثر علينا ونحن نلعق آذان بعضنا البعض بألسنة كبيرة وطويلة تمتد عبر أوجهنا لتصل إلى الأذن الأخرى وما بعدها.
وبقدر ما تكون هذه الأنشطة ممتعة وجيدة لعائلة بولد، فإنها أيْضًا تدغدغها. لذلك فكل من في منزل رقم 41 ينتهي به الأمر مقهقهًا وضاحكًا بصخب. وهذا يدخلهم في مزاج الاستماع لبعض نكات السيد بولد الحديثة:
وهكذا، منذ فترة طويلة، في مساءات أيام الثلاثاء، في المنزل رقم 41 بشارع فيرفيلد، والكل يتدحرج ضاحكًا على الأرض.
وهكذا، في أحد مساءات يوم الثلاثاء، وما إن انتهى التبرج، وذهب التوأمان إلى الفراش، حتى ذهبت السيدة بولد إلى الحمام لتنظف أسنانها، وتغسل وترطب وجهها اللطيف المكسو بالشعر. وفي اللحظة التي جلست فيها على مقعد المرحاض اعتقدت أنها سمعت سعلة خفيفة متبوعة بصوت رشاش. أدارت أذنها إلى جهة واحدة واستمعت باهتمام. للضباع حاسة سمع جيدة جدًا.
ثم رمشت بارتباك حين أدركت أن الصوت الذي كانت تسمعه كان قادمًا من تحتها، من داخل المرحاض.
لكن قبل أن تتمكن من القفز للأعلى لتلقي نظرةً، شعرت بعضة في مؤخرتها.
"آآآآآآآآآخ" صرخت، وقفزت عاليًا في الهواء. ثم حدقت بحذر إلى داخل المرحاض.
رأس بعينين خضراوين واسعتين، وخطم طويل جدًا كان يحدّق بها، وبصوت عميق وأجش قال: "آسفة جدًا! إنها أنا، فقط".
ومهما يكن ذلك المخلوق، فقد بدا أنه يمتلك الكثير من الأسنان.