البطل الخارق
حوار مع الرسام حسّان مناصرة حول قصة البطل الخارق
- ما الذي جذبك إلى القصة وساهم في موافقتك على رسمها؟
في المرة الأولى التي قرأت فيها النص، شعرت أنني أقرأ حكاية من الحكايات التي كنت أستمع إليها أو أشاهدها في التلفزيون في طفولتي مثل المسلسل الكرتوني في جعبتي حكايا، ذلك النوع من الحكايات التي تحتوي أماكن أنا على علم أنني لن أزورها، و شخصيات أنا على يقين تام أنني لن ألتقي بها، كقصص الأميرات أو الحكماء وغيرها، قصة ليس لها تاريخ انتهاء، وشخصيات فريدة تبقى معك مدى الحياة، وأماكن تصنعها مخيلتك لترجع لزيارتها حتى وأنت في سن الأربعين. بالإضافة إلى أنني شخصيًّا ميّال إلى القصص التي تحتوي لغة رصينة، لغة تقدم محتويات الحكاية من أوصاف ومفاهيم أو شخصيات بتوازن دقيق جدًا، بعيدًا عن الإفراط في الزخارف والتشبيهات التي تعيق عمل الرسّام ولا تترك له مجالًا لتقديم أي شيءٍ، وتفرّغ النص من معناه.
- هل أثر موضوع القصة في طريقتك في رسمها؟ لماذا؟ وكيف؟
القصة بمكوناتها كان لها أثر كبير في اختيار أسلوب الرسم. كما ذكرت سابقا؛ قصة مثل قصة البطل الخارق، بمكونات ومعانٍ عابرة للزمن وصلاحية لا تنتهي، كان لابد من وجود رسومات لها تتناسب مع وزن النص وتعيش جنبًا إلى جنب مع الكلمات. فكان اختياري لهذا الأسلوب الذي اعتمد على تقنيات رسمٍ أساسية بنمط كلاسيكي بعيدٍ عن البذخٍ، رغم ما يتطلبه هذا النمط من حرفيّة عالية ونفس طويل في العمل. أمّا من ناحية اللغة البصرية المستخدمة فكان هناك خلط ما بين الواقعي الذي يساعد على بناء عالم وبيئة البطل الخارق في مخيلة الطفل، وغير الواقعي الذي يساهم في ترسيخ المعاني وتكثيف شحنات درامية تتطلبها القصة. الألوان الدافئة أيضًا كانت أكثر ملاءمة لموضوع القصة، مع خطوط فرشاة بوجدانية عالية غير ميكانيكية، وملامح إنسانيّة غير مثالية. كنت متأكدًا من أن ابتعادي عن أساليب الرسم العالية (المعقدة) والأنماط الفنية الدارجة هو القرار الصحيح، وأن اعتماد كل ما هو بسيط وكلاسيكي مع التركيز على المعاني والمشاعر وخصوصية عالم البطل الخارق هو التوجه الأنسب لرسم النص، وهو الذي سيجعل كتاب البطل الخارق كتابًا يعيش لأكثر من جيل.
- ما التقنيات التي استخدمتها في رسم القصة؟ ولماذا؟
رسمت القصة باستخدام ألوان أكريليك، على ورق قطن وزن ٤٥٠ غرام، و بنفس مقاس الكتاب، ما عدا لوحة واحدة رُسمت بتقنية الديجيتال، اللوحة التي فيها تقديم لشخصية الرجل الحكيم والتي يظهر فيها لأول مرة في القصة. هذه اللوحة هي الوحيدة التي رُسمت بلونٍ واحدٍ وبدون نص.
- كيف توصلت إلى الشكل النهائي للبطل الخارق والأجواء العامة للبيئة التي يعيش فيها؟ وكم من الوقت تطلب ذلك؟
النصُّ قدم وصفًا بصريًّا جميلًا للبطل الخارق؛ فهو بطل له جناحان أبيضان كبيران، وهو قوي ويطير ويحرك الأجسام الثقيلة، وغيرها من الصفات للشخصية الرئيسية، وهو متطلب أساسي يحتاجه الكاتب لسرد الحكاية. بعد الانتهاء من أول مكالمة هاتفية بيني وبين الدكتورة نسيبة، كانت كل أفكاري تتمحور حول سؤالين؛ من هو هذا البطل الذي أريد أن أرسمه، وماذا يريد أن يقول لنا من خلال قصته؟ في البداية لم أتجرأ على الذهاب بمخيلتي الى أي تصور، أو حتى عمل سكتشات لهذا البطل، وشعرت وقتها بصعوبة المهمة. فبدأت بتسجيل معلومات من كل مكان بشكل عشوائي عن كل شيء يمكن تسميته "بطل" سواء شخصيات أبطال غربية أو معاصرة أو شخصيات دينيّة أو أسطورية أو أبطال قصص تاريخية. سجلت ملاحظاتي، ثم قمت باختزال الأفكار، فخلصت إلى مجموعة من المفاهيم، وبناءً عليها بدأت بوضع اسكتشات للبطل الخارق. كان أهم تلك الأفكار هو أن رسم البطل الخارق لا يجب أن يرتكز على بنيته الجسديه أو كتلته العضلية لإظهار بطولته، بل على أبعاد أخرى من شخصيته تعكس إنسانيته وما يملك من قيم ومعانٍ أحبه الناس لأجلها، وليس لأنه يطير أو يستطيع أن يحمل سيارة بيد واحدة مثلًا.
وهكذا صار للبطل الخارق في القصة شكل عادي جدًا، كأي رجل شرقي بشوارب و ملامح مألوفة نعرفها، وقوام صحي بعضلات طبيعية يمكن لأي شخص عادي أن يمتلك مثلها، وليست ذلك النوع من العضلات التي هي حكر على الأبطال الخارقين بالمفهوم الشائع. هذه المفاهيم في شكل البطل الخارق تجلّت بوضوح حين صار القارئ يراقبه وهو يفقد قدراته الخارقة واحدة تلو الأخرى، كاللحظة التي قص فيها الرجل الحكيم شعره الطويل، ثم جناحية الكبيرين، ليبدو للقارئ في النهاية شخصًا عاديًّا جدًا، لا يميزه عن الناس العاديين سوى لباسه الذي حافظت عليه لأسباب فنية بحتة تخدم السرد القصصي وتساعد الطفل في تتبع أحداث القصة بسهولة. بإختصار، البطل الخارق في القصة هو رجل قوي البنية بملامح شرقية وملابس ملونة بألوان زاهية ومطرزة بزخارف تراثية، لكنه في ذات الوقت رجل يمتلك من النبل، ما يجعل منه بطلًا في عيون الناس وقلوبها حتى بعد أن فقد كل قدراته الخارقة.
- ما الذي أضافه الرسم للنص برأيك؟
ما أقوم به عادةً، عند رسم أي كتاب، هو بذل قصارى جهدي لتقديم الفن المناسب للنص المناسب. فلدي قناعة تامة بأنني أقوم بصنع كتاب متكامل، وليس فقط تقديم رسوم جميلة تكون منفصلة عن النص أو تتحداه، أو رسوم باهتة ليس لها أي صوت ولا تقول شيئًا، ووظيفتها أن تتبع النص فقط. أتمنى أن أكون قد حققت هذا التوازن في قصة البطل الخارق، وأن يكون النص والرسم معًا، هما إضافة قيّمة، وبصمة جميلة، وعلامة فارقة في عالم صناعة كتب الأطفال.
- هل كان لديك طقوس خاصة اتبعتها أثناء رسم القصة؟
لا توجد لدي أي طقوس معينة أتبعها عند رسم كتاب للأطفال. فالصباح الباكر هو الوقت المفضل بالنسبة لي لأبدأ فيه الرسم. عادة ما أجد صعوبة كبيرة في بدء أول لوحة وتأخذ مني الوقت الأطول. لكن ما أن ينتظم إيقاعي الداخلي وتضيء لي جنيّات الفن مرسمي، تنهال علي الصور والأفكار دون توقف وتصبح المسألة مسألة وقت فقط.
- ما هي أكثر التحديات التي واجهتك في المشروع؟ وكيف تعاملت معها أو تغلبت عليها؟
"لو أن الوقت يشترى!" الوقت بالنسبة لي هو التحدي الأكبر، فأنا لست متفرغًا تمامًا لرسوم كتب الأطفال، لكنني أخلق لها وقتًا كافيًا في حياتي. لدي مشاريعي الفنية الأخرى التي أعمل عليها، وعندما يكون هناك مشروع كتاب أطفال، أقوم بتقسيم يومي الى ثلاثة أجزاء؛ وقت مخصص للكتاب و إنجاز رسومه – يبدأ من الثالثة والنصف صباحًا حتى التاسعة صباحًا – أحاول خلاله إنجاز أكبر قدر ممكن من الرسم، يلي ذلك الوقت المخصص للمشاريع الأخرى، الذي يستمر حتى الرابعة عصرًا تقريبا، أما ما تبقى من اليوم فهو للأمور الشخصية كالعائلة، والرياضة والنوم وأكل السوشي والمثلجات اللذيذة. الحقيقة هي أن الموضوع ليس بهذه الدقة التي وصفتها، فقد تأتي أيام لا أستطيع أن أنجز فيها ضربة فرشاة واحدة، فيزيد بذلك التحدي، وهذا أمر متعب جدًا لي. لذا فالوقت بالنسبة لي هو أكبر تحدٍّ لي في أي مشروع لرسم كتب الأطفال، وهذه طريقتي في التعامل معه.
- أي اللوحات شكلت لك تحديًّا أكبر في رسمها؟ ولماذا؟
عادة ما تشكل اللوحة الأولى التحديَ الأكبر بالنسبة لي، لأني أتخذ فيها قراراتٍ فنيةٍ مهمة، أتحمل مسؤوليتها لاحقًا في باقي اللوحات. ولا أعني باللوحة الأولى هنا الصفحة الأولى من الكتاب، فقد تكون أول لوحة أرسمها هي اللوحة الخامسة في ترتيب لوحات الكتاب كله. لكن المهم أن تحتوي هذه اللوحة التي أبدأ برسمها على أكبر قدر ممكن من المعلومات التي تشكل هويّة الكتاب وتوجهه الفني. وعادة ما تكون هذه اللوحة هي اللوحة التي تحتوي على شخصيات القصة وبعض الأماكن التي تستطيع من خلالها تحسس المسار الفني للكتاب.
- أي اللوحات استمتعت كثيرًا في رسمها؟ ولماذا؟
اللوحة الاخيرة! فبعد سنتين أو أكثر من الالتزام الفني والنفسي تجاه كتاب، تكون اللوحة الأخيرة بمثابة احتفال لإتمام عمل فني بنجاح وأخذ قسط من الراحة. لوحة الغلاف أيضًا من اللوحات التي أستمتع جدًا في التفكير بها ورسمها وإنجازها. وبشكل عام أنا استمتع بعمل الستوري بورد بشكل كبير أيضًا.
- هل هناك شيء في المشروع كنت تتمنى تغييره، لكنك لم تتمكن من ذلك؟ ما هو؟ ولماذا؟ وكيف تعاملت معه؟
لا يوجد شيء بقي عالقًا في نفسي لم أقضه، بذلنا ما بوسعنا، وما كان كان، وما لم يكن، لم يكن ليكون.
- هذا تعاونك الأول مع الكاتبة الدكتورة نسيبة العزيبي كيف كان؟
نعم، كان هذا هو التعاون الأول مع الدكتورة نسيبة، ولمناقشة اللوحات تواصلنا عبر تطبيق الوتس، والإنستغرام، والايميل. ما لمسته أثناء هذا التعاون هو أن الدكتورة نسيبة من الأشخاص الذين لديهم حس عالي تجاه ما يريدونه، فهي تعرف ما تريد، وهذا شئ مهم جدًا، وفي الوقت نفسه هي غير متصلبة تجاه رأيها، فهي تقنعك برأيها أو تقتنع برأيك، بنقاش لطيف وخفيف. لا يأخذ مجرى شائك أو يستنفذ أي طاقة مخصصة للإنجاز. بالنسبة لي كانت التجربة صحيّة للغاية، تحافظ على اللمسة العفوية وتسمح للكتاب بالتطور وأن يأخذ شكله من منظورين منظور الكاتب ومنظور الرسام. أود أن أستغل هذا السؤال لتوضيح شيئ ما، وليس من باب المقارنة والمفاضلة؛ فمن خلال تجارب، لم تكتمل، مررت بها سابقًا في هذا المجال، وجدت أن بعض الكُتّاب أو دور النشر يكون لديهم خطط صارمة فيما يخص رسم الكتب، فيمر الكتاب بسلسلة من الموافقات؛ موافقة على الاسكتشات، ثم موافقة على التخطيطات شبه النهائية، ثم الموافقة على الألوان، بالإضافة إلى موافقات وملاحظات لكل صفحة على حدة. هذه الصرامة في العمل تقتل روح الكتاب أولًا قبل أن تحوّل مهمة الرسّام إلى عبء، وكأن الناشر والكاتب قبضوا على عقل ويد الرسام وبدؤوا في اصدار توجيهاتهم: "اذهب يسارًا، اذهب يمينًا، استخدم لونًا أحمر أفتح بقليل، لا لا أخضر لو سمحت..." الى آخره من تفاصيل ومحاذير تقتل العمل الفني وتصنع كتبًا بلا طعم، جامدة، ومملة. أرى أن من مهام الناشر أن يختار النص المناسب والرسّام المناسب ضمن إمكانياته و رؤيته كناشر، وعليه أن يؤمن بهما ويفتح لهما المجال لصنع كتاب له شخصية حقيقية دون الحذر الزائد الذي ما هو إلا اجترار لمراحل لا تفضي الى أي نجاح.
- هذا التعاون الثاني لك مع دار أشجار؟ كيف كانت التجربة الثانية؟
التجربة الأولى كانت جميلة، والتجربة الثانية كانت جميلة جدًا جدًا، وأتمنى أن تكون بيننا تجارب جديدة فائقة الجمال. الثقة التي تزداد بيني وبين دار أشجار بعد كل تعاون، هو شيء لا يقدر بثمن. وأتمنى أن أكون على قدر هذه الثقة. دار أشجار، سواء في التجربة الأولى أو التجربة الثانية، كانوا إلى جانبي في كل الظروف والتحديات التي مررت بها خلال رسم الكتابين. في كتاب الحنين مثلًا، انتقلت لمدينة جديدة، وكنت أجهز مرسمي الجديد. وفي قصة البطل الخارق كان لدي مشروع تخرج والتزامات ومشاريع فنية مهمة، كنت قد أجلتها بسبب التزامي وقتها بمساق دراسي، فكانوا الى جانبي أيضًا وتفهموا ضيق وقتي، وأعطوني المساحة الكافية لأخذ نفس عميق، والتركيز والبدء من جديد. هذه مناسبة مهمة لأشكرهم، فهذه ليست مجرد مواقف عابرة. بالنسبة لي دار أشجار كان لها دور كبير في بقائي في عالم صناعة كتب الأطفال. العالم الذي أحبه. وأتمنى أن يسعفنا الوقت لأشاركهم في مشاريع أخرى أختبر فيها مفاهيم فنية جديدة. لدي أفكار كثيرة تنتظر النص المناسب.
- ماذا أضاف لك العمل في هذا المشروع؟
كل ما ذكرته أعلاه هو بمثابة إضافة بالنسبة لي اكتسبتها من هذه التجربة الغنية، تجربة مثل كتاب البطل الخارق تجربة عشت معها فترة لم تكن سهلة، تعلمت فيها الكثير. وعلى المستوى الإنساني كان التعاون مع الدكتورة الكاتبة نسيبة العزيبي إضافة لمسيرتي المتواضعة، فهي من الكتاب والأسماء المهمة التي تعاملت معها، بالإضافة الى الأشخاص الرائعين في فريق دار أشجار الذين يعملون خلف الكواليس ودورهم الكبير لإنجاز المهمة بأحسن ما يكون.
- كيف تتمنى أن يتفاعل القراء مع القصة ولوحاتها؟
أتمنى أن يستمتعوا بقراءة الكتاب وأن يجدوا فيه ما يريدونه. أتمنى أيضًا، إذا كان هناك رسّام أو كاتب صغير يمسك بالكتاب الآن في مكانٍ ما، أن أكون قد أضأت له ممرًّا صغيرًا، على أمل أن يشق طريقه نحو المستقبل الكبير، فيكتب كلمته في القصة الكبيرة، أو يضع لمسته في اللوحة الكبيرة لهذا العالم.
شكرا لمعد المقابله و للضيف الكريم الرسام حسن،،،، جميل ان نلمس اثار ثقافة العمل المشترك في هذه الحياه ،،،، اتطلع لقراءة القصه